الأحد، 4 يونيو 2017

العوامل الخمسة الكبرى للشخصية و علاقتها بالامتثال العلاجي عند مرضى السكري


العوامل الخمسة الكبرى للشخصية و علاقتها بالامتثال العلاجي عند مرضى السكري

     انطلق هذا البحث من فكرة التأثير السلبي و الأضرار و المضاعفات التي يحدثها سلوك عدم الامتثال العلاجي على الصحة خاصة على صحة المرضى المصابين بداء السكري لخطورة مضاعفاته، فعدم أو سوء الامتثال العلاجي يعتبر عامل خطورة بالنسبة للمرضى لأنه يزيد من تأزم حالتهم الصحية، فهدفنا في بحثنا هذا تسليط الضوء على هذه المشكلة من خلال محاولة التعرف على توزيع عوامل الشخصية لدى المرضى المصابين بداء السكري و إيجاد العلاقة الارتباطية بين هذه العوامل و مدى امتثال المرضى للعلاج و منه البحث عن خصائص الشخصية التي قد يكون لها تأثير ايجابي في الدفع نحو سلوك الامتثال العلاجي أي تكون كمتغيرات سيكولوجية وقائية، و الخصائص التي قد يكون لها تأثير سلبي يحول دون الامتثال و يكون كمتغير سيكولوجي معرض للإصابة و تعقيد الحالة المرضية.

     و لتحقيق أهداف البحث قمنا بدراسة على عينة من المرضى المصابين بداء السكري قوامها 30 مريض من ولاية البليدة من المترددين أو المقيمين في عدد من المستشفيات و العيادات في نفس الولاية، و بلغ متوسط العمر لديهم 43 سنة، و لفحص العلاقة بين الامتثال العلاجي و العوامل الخمسة الكبرى للشخصية و هي: عامل العصابية، عامل الانبساطية، عامل الانفتاح على الخبرة و عامل الطيبة و كذا عامل يقظة الضمير، اعتمادنا على المنهج الوصفي باعتباره أكثر المناهج ملائمة لدراسة العلاقات، و بعد ذلك تم تطبيق مقاييس الدراسة المتمثلة في مقياس العوامل الخمسة الكبرى للشخصية لكوستا و ماك كراي و مقياس الامتثال العلاجي لفرانسوا ماماي.

      و بعد المعالجة الإحصائية المناسبة و المتمثلة في عامل ارتباط بيرسون لتحديد العلاقة بين متغيرات البحث، و بعد عرض نتائج المعالجة في جداول و مناقشتها بالرجوع إلى الجانب النظري من الدراسة، و استنادا إلى نتائج بعض الدراسات السابقة.

      خلص البحث بعد التحقق من فرضياته إلى النتائج التالية:

     ما من شك أنه بالعودة إلى النتائج المحققة في هذه الدراسة نستخلص أن الفرضية القائلة بأن عامل العصابية هو العامل الغالب بين المرضى المصابين بداء السكري لم تتحقق، و دليل ذلك أن عامل العصابية كان الأضعف مقارنة بالعوامل الأربعة الأخرى، التي جاءت مرتبة تنازليا من عامل الانفتاح على الخبرة الذي كان الأعلى انتشارا بين أفراد العينة يليه يقظة الضمير، الطيبة، فالانبساطية، في حين جاء عامل العصابية أقل انتشارا بين مرضى السكري، و قد كانت هذه النتيجة على عكس ما كنا نتوقع أي العصابية هي العامل السائدة عند مرضى السكري، كان ذلك راجع إلى أن غالبية أفراد العينة قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة من النضج الانفعالي و العقلي مع التقدم في العمر فقد بلغ متوسط عمر افراد العينة 50 سنة، و قد رأينا في تحليل النتائج كيف يمكن لعامل الانفتاح على الخبرة أن يوصل الشخص الذي يتمتع بمميزاته إلى حالة صراع مستمرة مع الواقع يرى في تلك السمات نوعا من الجنون، مما ينعكس عليه بأتعس النتائج بسبب ما يعانيه من إحباط عميق لا هو قادر على الرد عليه و لا تغييره لأن شخصيته تمنعه من ذلك. و هذه النتيجة كانت قريبة من النتيجة التي توصل إليها بوطمين سمير

( 2008 ) أن عامل يقظة الضمير و عامل الانفتاح على الخبرة هما السمتان الغالبتان عند مرضى القلب و الأوعية الدموية.

     كما توصلنا في هذا البحث إلى أن كل من عامل العصابية و الانبساطية و الانفتاح على الخبرة لا تؤثر على امتثال المرضى للعلاج بأبعاده و قد رأينا كيف يمكن لبعض العوامل أن تساعد على التقليل من تأثير بعض السمات كدور السند الاجتماعي في التقليل من تأثير السمات السلبية المميزة لعامل العصابية و تدفع الأفراد نحو تبني سلوكيات صحية و هذا ما جاءت به العديد من الدراسات كدراسة Bovbiger  ( 1995 ) التي توصلت إلى ان الأشخاص الذين لديهم دعم ينصاعون أكثر إلى التوصيات الطبية من أولائك الذين لا تدعمه عائلاتهم، كذلك وجد Sherbourn ( 1992 ) أن توافق مرضى السكري يكون أفضل لدى الأفراد الذين يملكون دعما اجتماعيا.

    كما توصلنا لعدم ارتباط هذه العوامل الثلاثة مع أبعاد الامتثال و قد فسرت هذه النتائج على ضوء ما جاءت به الدراسات السابقة حول العوامل المؤثرة على الامتثال العلاجي كالاعتقادات الخاطئة حول العلاج و المرض، طبيعة العلاج، نقص الوعي و التثقيف الصحي، كذلك تأثير الضغوط والاعتقادات الخاطئة على السمات الإيجابية لعامل الانبساطية و عامل الانفتاح على الخبرة و كيف تؤثر السمات الفرعية أكثر من سمات الشخصية العامة على الفرد و سلوكياته و هو نفس ما توصل إليه O’Connor and Paunonen ( 2007 ) حيث يقولان " أن الأدبيات الإمبيريقية التي اهتمت بمنفعة التنبؤ النسبي لسمات الشخصية العامة و سمات الشخصية الدقيقة توحي بأن السمات الدقيقة يمكن أن تكون منبآت أكثر دقة....مقارنة بعوامل الشخصية الكبرى" و هذا ينطبق مع النتيجة التي توصلنا إليها في هذا البحث و التي تقول بوجود علاقة عكسية بين عامل الطيبة و الامتثال العلاجي.

     توصلنا أيضا من خلال نتائج هذه الدراسة إلى الدور الهام الذي يلعبه عامل يقظة الضمير في التأثير في الامتثال العلاجي و دفع الأفراد نحوه، و هذا ما اتفق مع دراسة Roberts & et al

( 2005 )، التي وجدت علاقة ارتباطية موجبة بين عامل يقظة الضمير و أبعاد الامتثال العلاجي

( الحمية، الأدوية، السوائل، السكريات، مراقبة الوزن، التدخين، ممارسة الرياضة) و جاءت هذه النتيجة متسقة مع نتيجة دراسة Roberts et al ( 2005 ) و دراسة Serrecal. و نستخلص من هذه النتيجة أن عامل يقظة الضمير هو عامل منبئ بالامتثال بالسلوك الصحي لدى المرضى المصابين بالسكري.

    من خلال النتائج السابقة الذكر نستنتج أن عامل يقظة الضمير من أكثر العوامل في الشخصية الذي لا يلعب دور الواقي من السقوط في الأمراض فقط إنما له دور هام حتى بعد السقوط في المرض و هذا كونه عامل سيكولوجي فاعل في رفع و تحسين الامتثال العلاجي لدى المرضى و دفعهم نحو السلوكيات الصحية التي من شأنها أن تخفف من حدة و مضاعفات الأمراض و نخص بالذكر هنا داء السكري كونه يمثل عينة بحثنا.